الخميس، 21 فبراير 2019

التكنولوجيا والعلــم والديـــن: هل تم الربط والتكامل بينهم في الماضي وفي الحاضر والمستقبل؟

        
التكنولوجيا والعلــم والديـــن: هل تم الربط والتكامل بينهم في الماضي وفي الحاضر والمستقبل؟




لا يخفى على أحد مدى أهمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العصر الحالي وهنا يمكننا القول أن هذا العلم الذي اجتاحت رياحه منذ فترة عصرنا له القدرة على أن يكون علماً مستقلاً بذاته يتمتع بخصائص ومزايا لاتوجد في غيره من العلوم، فهو علم لا يتوقف عند حد الحاضر فما كان في القرن الماضي من الخيال العلمي أصبح الآن واقعا يعرفه الصغير قبل الكبير وما نتخيله الآن قد يصبح واقعا في حياة الأجيال القادمة.

فالتكنولوجيا هي: التطبيق النظامي للمعرفة العملية و تعتبر محركا رئيسيا لتطور العلوم جميعها وتمثل سندا وداعما لكافة الأنشطة الحياتية، فهي تلعب دورا هاما في دفع عجلةالتعليم والمعرفة في العلوم المنوعة نحو رؤية حديثة في اكتساب المعرفة والاستفادة منها بالطرق والظروف المختلفة.

إن مدى رغبة الإنسان في تعلم التكنولوجيا وتفاعله معها يرتبط ارتباطا وثيقا مع حاجته إليها فنرى الآن العديد من الدوائر الحكومية تعتمد أنظمة معلوماتية تيسر للأفراد بعض المعاملات الإلكترونية التي يرى فيها الفرد راحة وسهولة وتوفيرا للوقت والجهد ونرى الآن حاجة الطلاب في المراحل الأساسية والجامعية لاستخدام شبكة الإنترنت لجلب المعلومة التي تثري معرفته ونرى كل يوم استعمالات التكنولوجيا في البيت والشارع والمؤسسات.

ولكننا لا نتغاضى عن سلبيات التكنولوجياجية حتى وان كانت محصورة على إساءة استخدامها من قبل متعاطيها
ولقد أحببت  أن أتناول جانب من هذه  التكنولوجيا لأهميتها لمواءمة الدين مع كافة الجوانب الحياتية متسارعة التطور وهنا نقف لنتساءل هل نستطيع السير في هذا التطور ونحن نحمي ديننا واسلامنا؟

من رايي الشخصي أرى بأن التسارع الحالي في التطور آثر سلبا وقد يؤول ذلك لان هذا التطور مستورد من قبل الغرب فنحن نأخذه كما هو مع جميع مرفقاته بالطابع والهوية الغربية ولكننا نتساءل أيضا ما علاقة الدين بالتطور؟ وماحقيقة إبعاد التكنولوجيا لنا عن التقرب إلى الله في حياتنا اليومية، كانشغالنا في البحث عن الاستخدامات المنوعة للتكنولوجيا يوميا وتقصيرنا في أداء طاعاتنا الدينية.
والاجابه باختصار باننا طبيعة حالنا واستخدامنا للحاسبات ةالهواتف اصبح اليوم غازي لكل ما نفعله منذ بداية يومنا حتى نهايته ، فنحن نستخدم الرسائل الهاتفية  أو المكالمات بدل الزيارات والتواصل مع صلات الرحم وينشغل الشباب كثيرا في الجلوس أمام جهاز الحاسب للعب أو لاستخدام المحادثات أو الانترنت لساعات طويلة دون اهتمامه بمشاركة أسرته الأجواء العائلية أوتحمل جزء من مسؤوليته اتجاههم أو تأدية دور اجتماعي نحو الأقارب والجيران والأصدقاء كالاطمئنان عليهم وتقديم المساعدة للآخرين فهو متنحي بحجة انه مازال صغيرا وغير مطالب بتأدية أي ادوار من شأنها إعطاءه مسؤولية اتجاه الآخرين ناهيك عن أننا لم نتطرق إلى تقصيره في تأدية عباداته المفروضة عليه بذريعة أن العالم تغيير وهذه الأمور أصبحت تمثل تأخر ثقافي وحضاري.

هذا الخطر الذي أحدثه التعامل السلبي مع أدوات التكنولوجيا أصبح مهددا رئيسا لتغيير هويتنا الدينية، وابسط الأمثلة التي يمكن أن تؤديها التكنولوجيا للإنسان العادي هو إبعاده عن الإحساس بحاجته إلى الله في كل أمور حياته، مثال ذلك حين ينقطع الماء عن المنزل يقوم رب الأسرة بتفقد محبس المنزل ثم يقوم بتفقد محبس الحي الذي يسكن فيه ثم يهاتف سلطة المياه للاستفسار عن سبب الانقطاع، أما في السلف السابق كان إذا أدلا بدلوه في البئر ولم يعثر على الماء يرفع يديه إلى السماء ويدعو الله لإنزال المطر.

يوصف عصرنا الحالي بأنه عصر العلم، حيث أصبح العلم جزء من حياتنا اليومي، نحتاجه في معظم أعمالنا. لكن في بعض الأحيان يحدث أن تصطدم الحقائق العلمية بالدين، ترى هل يمكن أن يصل الاثنان أخيراً إلى اتفاق؟

كثيراً ما تصطدم الحقائق العلمية بالدين، ويختلفان، ويحار العلماء أنفسهم في هذا الأمر. فيرى البعض في الاكتشافات الحديثة عن لا محدودية الكون واتساعه المستمر مبرراً لشعور الإنسان بالاكتفاء الذاتي، وبعدم احتياجه إلى "إله". بينما يرفض البعض كل ما يقوله العلم ويتناقض مع الدين. ولكن هل من الممكن فعلاً أن يكتمل العلم بدون دين؟ أو هل من الممكن أن يستمر الدين في رفضه للعلم، في زمن العلم والتكنولوجيا؟ ربما حان الوقت أخيراً للتعاون بين هذين الطرفين المتباعدين.

كثيراً ما كانت الظواهر الطبيعية تفسر على أنها تدخل إلهي، ثم يأتي العلم بعد ذلك ليثبت أنها أمور طبيعية، مثل الرعد والبرق، والتي اتضح أنها كهرباء. هذا هو ما يدفع الدكتور جونتر جوستاف هازينجر مدير معهد ماكس بلانك للطبيعة فوق الأرضية في جارشينج إلى عدم إرجاع أصل الكون لله. إنه مقتنع بأن العلم سيعطيه يوماً ما الإجابة الشافية عما لا يمكن إدراكه الآن ولكنه مع ذلك يؤكد احتياج الإنسان لفلسفة ما أو لإيمان حتى يستطيع تعدي حدود عدم المعرفة. والدكتور جونتر ليس وحده في هذا الأمر فبالنسبة للكثيرين أصبحت القيمة الحقيقية اليوم هي تحقيق الذات. وأحد هؤلاء هو أستاذ الفلسفة الطبيعية برنولف كانيتشايدر ففي رأيه أنه منذ الاكتشاف الذي وصل إليه كل من عالم الرياضيات الروسي ألكسندر فريدمان وعالم الفلك البلجيكي جورج لومتر  أوضح أن الكون ليس ثابتاً،
فازداد التساؤل عن إمكانية وجود حياة أخرى على كواكب أخرى ففي الجزء المرئي فقط من كوننا هناك من عشر إلى عشرين كوكب يتوقع أن تكون بهم إمكانية حياة.

ويكمل كانيتشايدر حديثه قائلاً إن الإنسان دائماً ما يحاول إيجاد هدف ومعنى لحياته وقد رأى الفيلسوف الإغريقي أناكساجوراس والسابق لمرحلة سقراط أن الإنسان دائماً ما يتطلع للكون كما وجد أرسطو أن هدف وجود الإنسان ومتعته الأكبر هي في فهم الكون ولكن هذا الأمر بدأ يضمحل مع الوقت. ومع انتشار المسيحية بدأ النظر للعلم كأمر زائل والتركيز على كل ما يخص الأمور الروحية فقط. والنظر بقلق وتحفظ لكل النظريات الجديدة التي تتعلق بلانهائية الكون ولامحدوديته. ولم تكن هذه الحقائق العلمية المتعلقة بالكون أمراً مقبولاً. وانتهى هذا الأمر بشعور العديد من البشر خاصة في الغرب بعدم احتياجهم لوجود إله لهذا الكون. وفي الواقع ليس هذا الاتجاه بالأمر الجديد فمنذ ألفي وثلاثمائة عام حذر الفيلسوف الإغريقي إبيكور الناس من الإيمان بعلوم الميتافيزيقا، ومن بناء حياتهم على أوهام، مؤكداً أن الآلهة لا تجلب إلا سوء الحظ. كما أضاف أن الفرد لا يجب أن يركز على الموت وما بعد الموت، بل أن الحياة في حد ذاتها قيمة عليه أن يستمتع بها: الموسيقى والفن والعلاقات الاجتماعية، كل هذه الأمور في رأيه لا علاقة لها بالآلهة ويمكن أن تعطي لحياة الإنسان معنى في حد ذاتها. ففي رأي الفيلسوف الطبيعي أن الشئ الوحيد الذي يعطي معنى وقيمة للحياة هو الاستقلال وحرية اتخاذ القرار.

ولكن حرية الإنسان هي أمر كثر الجدل حوله، ويهتم بدراسته علم النفس بشكل خاص، فهل حقاً هناك إرادة حرة؟ يؤكد البروفيسور فولفجانج برنز وهو عالم نفس يدافع عن عقل الإنسان وقدرته، ويقول  "إن عقل الإنسان أكثر كثيراً من مجرد ماكينة ". فهو يرى أن إدراك الإنسان هو صورة للحقيقة ولكنه ليس الحقيقة نفسها فمعرفتنا عن أنفسنا وعن العالم حولنا أمر واستقبالنا للأموريتعلق بحدسنا، ولكن قد يحبط المرء عند الاصطدام بالواقع وبالطبع تلعب التربية الاجتماعية للمرء دوراً كبيراً في استقباله للأحداث المختلفة ويعتبر فولفجانج الإرادة نتيجة مباشرة للتربية فهي في رأيه أمر أخلاقي وليست طبيعة روحية للإنسان.

 أما عن العقل ودوره فهو يقول: "إن العقل عبارة عن عضو يقوم ببعض المهام الخاصة بالتصرفات، لذلك فانه تحول لآلة تحقق هذه الأشياء وبدون فهم هذه التصرفات لا يمكن فهم العقل ونحن نعرف حتى الآن القليل عن هذا الأمر.وفي أي حال من الأحوال لا يفكر العلماء في تدخل الله في هذا الأمر فالبحث العلمي يظل دائماً بعيداً عن الدين، حتى بين العلماء المؤمنين".

في الماضي انفصل العلم عن الدين عندما كان رجال الدين يعتبرون أنفسهم أصحاب الحقيقة الكاملة ولديهم الإجابة على كل سؤال فاعترض العلماء على هذا الموقف المتكبر وبانتشار العلم ودخول تطبيقاته في عالمنا فقد رجال الدين سلطتهم وتبدلت المواقع، واليوم يكرر العلماء الخطأ نفسه بافتراضهم أنهم يمتلكون كل الإجابات وأن الدين لا معنى له.
يحتاج الإيمان والمعرفة بعضهما لبعض، هذا ما يراه هانز شفارتز أستاذ علم اللاهوت  "يجب على العلماء أن يعترفوا بأنهم أحياناً ما يستخدمون الإيمان ليتمكنوا من فهم العلاقات العميقة بين مظاهر الطبيعة التي يلاحظونهاويرى هانز شفارتز أن العلماء لا يمتلكون الحقائق والإجابات كما يؤكدون  ويجد في التساؤلات التي يواجهها العلماء يومياً أكبر دليل على هذا الأمر وخاصة العلماء الذين يبحثون في أصل الحياة فكلما توصلوا لاستنتاج ناقضه اكتشاف جديد في اليوم التالي.

ومع أهمية العلم إلا أنه يمكن أن يستخدم للتدمير تماماً كما يمكن أن يستخدم للبناء، وهنا يأتي الدور الأهم للإيمان في رأي هانز. ويضيف أن التجربة العملية لا يمكن أن تأتي بكل الإجابات، وهو الأمر الذي حذر منه الفيلسوف إيمانويل كان منذ أكثر من مئتي عام. والسؤال الأساسي الذي لا يمكن للعلم أو التجارب الإجابة عليه هو السؤال عن مصدر حياتنا والمغزى منها، وهنا يأتي دور الميتافيزيقا أو علم ما وراء الطبيعة وهو العلم الذي فقد رونقه في عصرنا الحالي هذا العصر الذي يعتمد فقط على كل ما يراه أو يمكن إثباته بتجربة عملية. 

ولكن منذ حادثة هيروشيما والعلم فقد براءته وأصبح العلم هو "خرافة" كما أطلق عليه الفيلسوف كارل جاسبرز ومنذ ذلك الحين يصطدم العلم بأمور وأسئلة أخلاقية لا يمكن أن يجيب عنها إلا علم يفوق مجرد التجربة. فكل هذه الأسئلة عن أصل الحياة وهدفها وأخلاقيات التجارب المختلفة، لا يمكن حلها إلا بالتعاون والتكامل بين العلم والدين. هذا التعاون يكمن في تعرف علماء اللاهوت على الحقائق العلمية وتقبلها، وكذلك تعرف رجال الدين على أسس الإيمان وتقبلهافالحقائق الفلكية أثارت الجدل في الكنيسة في العصور الوسطى وان  التكنولوجيا الطبيعية تثير اليوم الجدل الديني وأيضاً الأخلاقي.

 ويؤكد يقول فولفجانج فان دن دايليه عضو المجلس القومي للأخلاقيات في ألمانيا أن تعريف قيمة الإنسان أمر يصعب تحديده فالقيم تتغير على مر التاريخ ويرى  أنه من حق كل إنسان أن يختار حقه في الصدفة (كالشكل، وما إلى ذلك)  أو أن يرفضه ولذلك فعمليات التجميل مثلاً لا تعتبر أمراً غير أخلاقي ولكن عندما يتعلق الأمر بشخص آخر هنا تصعب الإجابة على هذا السؤال فهل يحق للفرد تغيير طبائع ابنه  أو التخلص منه؟ "إنه من حق الإنسان إذا تمكن من تأكيد أن هذا التغيير للخير كأن يمنع عن طفله أن يرث مرضاً ما او غي ذلك فإنني لا أرى في ذلك اعتداء على حرية الطفل وقيمته"، هذا ما يؤكده . ويختلف الرأي كثيراً في ما يتعلق بالجنين، فالبعض يعتبره فرداً مكتملاً يجب حمايته، بينما يعتبره البعض الآخر مجرد مشروع إنسان.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق